في 2 سبتمبر 2025، افتُتح المركز الثقافي الوطني لكازاخستان في بكين بمشاركة الرئيس قاسم جومارت توكاييف ووزيرة الثقافة والإعلام عايدة بالاييفا ووزير الثقافة والسياحة في جمهورية الصين الشعبية سون ييلي ودبلوماسيين من كلا البلدين بالإضافة إلى ممثلين عن المثقفين المبدعين. يتجاوز هذا الحدث الحياة الثقافية بكثير ويصبح عنصرًا مهمًا في التعاون الاستراتيجي بين البلدين. إن افتتاح المركز هو نتيجة عمل دبلوماسي طويل الأمد واتفاقيات تم التوصل إليها على أعلى مستوى. في عام 2022، خلال الزيارة الرسمية لرئيس جمهورية الصين الشعبية إلى أستانا، توصل قاسم جومارت توكاييف وشي جين بينغ إلى اتفاق بشأن إنشاء مراكز ثقافية في الصين وكازاخستان على أساس التكافؤ. ويهدف المركز الجديد إلى أن يصبح جسرًا بين الشعوب ومنصة للحوار بين الشباب والعلم والفن، بالإضافة إلى كونه دليلاً واضحًا على أن الثقافة تحتل اليوم مكانة خاصة في جدول أعمال العلاقات الكازاخستانية الصينية. أشار رئيس الدولة في كلمته خلال الحفل إلى أن "الفن والثقافة جسرٌ ذهبيٌّ يوحّد الأمم".
يُظهر افتتاح المركز في إحدى أهمّ مدن العالم الكبرى أن كازاخستان تستخدم بشكلٍ متزايد أدوات الدبلوماسية الثقافية. فبينما كان التركيز في السابق منصبًّا على التفاعل الاقتصادي والسياسي، أصبح هذا المحور الآن مُكمّلاً ببعدٍ إنساني. وفي الحفل، استذكر الرئيس توكاييف أن كازاخستان والصين قد دخلتا "الثلاثين عامًا الذهبية الثانية" من العلاقات. ففي عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري رقمًا قياسيًا بلغ 44 مليار دولار، ويستمر هذا التوجه في التعزيز. وتحافظ الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري واستثماري لكازاخستان، وتتوافق وجهات نظر البلدين إلى حد كبير حول القضايا الدولية الرئيسية. وهكذا، فإن افتتاح المركز لم يعد مجرد لفتة ثقافية، بل أصبح رمزًا لاستقرار وعمق الشراكة الثنائية.
ووفقًا لتاتيانا كوكينوفا، الخبيرة البارزة في الشؤون الصينية في كازاخستان، "يُعدّ هذا الحدث أحد أهم الأحداث في السنوات الأخيرة في مجال التعاون الثقافي والإنساني بين كازاخستان والصين". وبحسبها، سيصبح المركز منصةً ليس فقط لعرض الثقافة التقليدية، بل أيضاً لكسر الصور النمطية، وتعزيز ثقة كازاخستان وتقديرها في الصين. وهذا يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الاقتصادية والسياسية.
يقع المركز الثقافي الجديد في حي تشاويانغ العريق ببكين، ضمن مجمع "القرن الحادي والعشرين" الحديث. تبلغ مساحته الإجمالية 620 متراً مربعاً، وينقسم إلى عدة مناطق. المركز مجهز بمعدات تفاعلية تتيح الانغماس التام في ثقافة كازاخستان.
يُعدّ قسم المعارض جزءاً هاماً من المركز، حيث يعرض قطعاً أثرية تاريخية واكتشافات أثرية - نسخ طبق الأصل من قطع من فترة ساكا، ومعروضات عُثر عليها خلال عمليات التنقيب في تلال الدفن الكازاخستانية إسيك وبيريل، وعناصر من الحياة اليومية للشعب الكازاخستاني. كما سيتمكن الزوار من مشاهدة الآلات الموسيقية التقليدية، والمجوهرات الوطنية، والأدوات المنزلية. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المعرض لوحات لفنانين كازاخستانيين، وكتباً نادرة تتناول تاريخ وثقافة البلاد. سيتمكن الزوار من مشاهدة أفلام وثائقية ومقاطع فيديو على شاشات متعددة الوسائط، تتيح لهم التعرّف على معالم كازاخستان الطبيعية والثقافية بطريقة تفاعلية.
سيضم المركز قاعة للغة الكازاخستانية، حيث تُقام دروس ودورات تدريبية للأطفال والكبار.
تُعدّ قاعة الموسيقى والإبداع عنصرًا هامًا آخر في المركز، حيث سيتمكن الضيوف الصينيون ليس فقط من التعرّف على الموسيقى الكازاخستانية التقليدية، بل أيضًا من المشاركة في ورش عمل متخصصة في العزف على آلتي الدومبرا والكوبيز. كما ستُقام هنا حفلات موسيقية متنوعة لموسيقيين وفنانين من كازاخستان.
ستقدم المكتبة وقاعة القراءة للقارئ أعمالًا لمؤلفين كازاخيين من مختلف الأنواع واللغات، بما في ذلك الصينية. ومن بين المعروضات الرئيسية كتاب للشاعر والفيلسوف الكازاخي البارز أباي. وستُصبح المكتبة أيضًا مكانًا للمحاضرات والعروض والأمسيات الأدبية، مما يثير اهتمام الجمهور الصيني بأدب وثقافة كازاخستان. إلى جانب ذلك، سيعمل مطعم سانديك هنا، حيث تُقام جلسات تذوق ودروس متخصصة في طهي المأكولات الكازاخستانية الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، سيصبح المركز منصةً لمهرجاناتٍ مُخصصةٍ للسينما والمسرح والموسيقى والفن الكازاخستاني.
وسيستخدم المركز الثقافي أيضًا مساحاتٍ متعددة الاستخدامات بشكلٍ نشطٍ للمؤتمرات والموائد المستديرة والندوات.
وتُشير تاتيانا كوكينوفا إلى أن المركز يُمكن أن يُصبح حلقة وصلٍ بين الجامعات ومعاهد البحث والمدارس الإبداعية. "هذه فرصةٌ للبحوث المشتركة والتبادل الأكاديمي والمدارس الصيفية. عمليًا، ستكون دورات اللغة الكازاخستانية وورش العمل في الحرف والموسيقى والرقص مطلوبةً بشدة. كما ستكون الثقافة التقليدية ذات أهميةٍ كبيرة: حياة البدو، والموسيقى، والحرف اليدوية، ومسابقات الفروسية. ولكن من المهم بنفس القدر تقديم كازاخستان الحديثة - الأفلام، ومشاريع الوسائط المتعددة، والمعارض. سيساعد ذلك على كسر الصور النمطية وإظهار البلاد كدولةٍ ناميةٍ ديناميكيةٍ ذات طموحاتٍ وثقافةٍ فريدة. وتُعدّ السياحة عاملًا مُهمًا آخر. فالجمهور الصيني مهتمٌّ بنشاطٍ بالسياحة الثقافية والبيئية. ونظرًا لنظام الإعفاء من التأشيرة، فإن نمو تدفق السياح إلى كازاخستان ملحوظٌ بالفعل، وسيتمكن المركز من إبراز هذه الإمكانات بشكلٍ أكبر".
وتعتقد كوكينوفا أن تشمل خطط المركز للأشهر الستة المقبلة تنظيم تبادلات شبابية دولية بالتعاون مع المركز الصيني، وفعاليات مشتركة لرواد الأعمال الشباب والعلماء والمثقفين المبدعين من كلا البلدين. وسيتم توقيع مذكرة تعاون مع جامعة بكين للغة والثقافة في المستقبل القريب.
في سياق الاهتمام الصيني المتزايد بآسيا الوسطى، أصبح مركز الثقافة الوطنية الكازاخستانية أهم أداة من "القوة الناعمة" لكازاخستان. سيساعد ذلك على تكوين صورة إيجابية عن البلاد، وتعزيز حضورها في البيئة الثقافية والتعليمية في الصين، وخلق نقاط جذب جديدة للشباب والباحثين والسياح. وهكذا، تنتقل كازاخستان إلى مستوى جديد - من "مُصدر للموارد" إلى مُصدر للثقافة والأفكار، مما يعزز ذاتيتها في العلاقات الدولية. يُعد المركز الثقافي في بكين رمزًا للخيار الاستراتيجي لكازاخستان: بناء جسور الثقة من خلال الثقافة وتعزيز مكانتها في الحوار العالمي بين الشرق والغرب.