
"لقد كانت وستظل الوحدة والتضامن من أهم قيمنا والمبادئ الثابتة التي تسترشد بها سياسات الدولة كافة."
— فخامة رئيس جمهورية كازاخستان قاسم-جومارت توكاييف
أصبح الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس جمعية شعب كازاخستان ليس مجرد مناسبة للاحتفاء، بل فرصة للتفكر العميق في المسار الذي سلكته البلاد في تعزيز التوافق العرقي. وفي وقت تتصدر فيه قضايا الهوية الوطنية والحفاظ على الشيفرة الثقافية أولويات المرحلة، تُظهر الجمعية نموذجًا فريدًا يجمع بين التقاليد والأساليب الحديثة في إدارة التنوع العرقي والثقافي.
وقد خُصصت لهذا الموضوع المؤتمر العلمي العملي الوطني بعنوان: "الذكرى الثلاثون لجمعية شعب كازاخستان: التجربة وآفاق تطوير النموذج الكازاخستاني للتسامح العرقي"، الذي عُقد في "بيت الصداقة" بمدينة أستانا في أواخر شهر سبتمبر. وجمع المنتدى ممثلين عن الهيئات الحكومية وجمعية شعب كازاخستان والمجتمع العلمي من داخل البلاد وخارجها، ليكون منصة لمراجعة الإنجازات ومناقشة آفاق جديدة لتعزيز الوحدة الوطنية.
أكد ممثلو الجهات الرسمية أن مستقبل السياسة العرقية يعتمد إلى حد كبير على تطوير القاعدة البحثية وتطبيق أشكال مبتكرة من التفاعل الاجتماعي، حيث تلعب جمعية شعب كازاخستان الدور المحوري في هذا المجال.
الجمعية كحافظة للشيفرة الثقافية
تأسست جمعية شعب كازاخستان عام 1995 بهدف تعزيز التفاهم العرقي وضمان المساواة في الحقوق لجميع المجموعات العرقية في البلاد. واليوم، يعيش في كازاخستان أكثر من 130 مجموعة عرقية وقومية بسلام، حيث تحافظ كل منها بعناية على لغتها وثقافتها وتقاليدها.
أصبحت الجمعية منصة فريدة للحوار المفتوح، حيث لا تكتفي الاتحادات العرقية الثقافية بتمثيل مصالحها فحسب، بل تشارك أيضًا في صياغة القرارات على المستوى الحكومي. كما أن ممثلي الجمعية يشغلون مقاعد في مجلس النواب (المجلس الأدنى للبرلمان)، فيما تعمل "بيوت الصداقة" الإقليمية كمراكز للدبلوماسية الثقافية داخل البلاد، مما يضمن تواصلاً حيّاً بين مختلف الأعراق.
وعلى مدى ثلاثة عقود، أثبتت الجمعية نفسها كأحد أهم مؤسسات التوافق الاجتماعي وحامية للشيفرة الثقافية لكازاخستان. وفي ظل العولمة والهجرة، أصبحت الجمعية آلية منهجية لدعم الثقافات واللغات الوطنية، مما أسهم في تعزيز الاستقرار الداخلي وتشكيل هوية مدنية موحدة.
التركيزات الحديثة والمبادرات الجديدة
أظهرت السنة الاحتفالية أن الجمعية لا تقف عند حدود الماضي، بل تواكب تحديات العصر بنشاط. فقد تم تنفيذ أكثر من ألفي فعالية ومشاريع مثل "الجمعية الشاملة" و*"خمسون قائداً شاباً"* و*"التعرف على الجمعية"*، بالإضافة إلى تطوير التعاون الدولي للشباب مع اليونسكو ومجلس أوروبا — وكل ذلك يدل على أن الجمعية تمضي بخطى ثابتة نحو التحديث، وتعمل على إشراك الشباب في منظومة القيم المتمثلة في السلام والوحدة والمسؤولية.
إن نشاط الجمعية اليوم لا يمثل فقط أداة لتحقيق الانسجام العرقي، بل نموذجًا فريدًا للاندماج معترفًا به دوليًا باسم "النموذج الكازاخستاني للتسامح".
ويمكن اعتبار أبرز إنجازات الجمعية هو بناء أساس متين للوحدة المدنية، حيث أصبح التنوع العرقي مصدر قوة لا عامل انقسام. لقد أسست كازاخستان منظومة قانونية ومؤسساتية واجتماعية تضمن الاستقرار، وتبعد العلاقات العرقية عن التسييس، وتُرسّخ ثقافة الحوار القائم على الاحترام المتبادل.
الحفاظ على الاستمرارية وتطوير الثقافة العرقية
أكدت وزيرة الثقافة والإعلام، عايدة بالايفا مرارًا أن الحفاظ على الشيفرة الثقافية ليس مسؤولية المؤسسات الحكومية فحسب، بل مهمة مشتركة تقع على عاتق المجتمع بأسره.
“لقد أثبت النموذج الكازاخستاني للتفاهم العرقي فاعليته واستدامته. ولكننا اليوم نواجه تحديات جديدة تتطلب الحفاظ على استمرارية التقاليد وإعادة تفسيرها للأجيال القادمة. إن الثقافة العرقية هي الأساس الذي يوحّدنا ويجعل بلادنا متميزة.”
— صرّحت الوزيرة.
وفي هذا السياق، تُبنى السياسة الثقافية والعرقية للدولة على أسس الحفاظ على الهوية، واحترام التقاليد، والتعايش المتناغم بين مختلف الأعراق.
نقاط النمو والأولويات المؤسسية
شكلت الذكرى الثلاثون للجمعية ليس فقط خاتمة لمرحلة، بل نقطة انطلاق لمبادرات جديدة. وفي الوقت الذي تؤسس فيه كازاخستان منصة فكرية قائمة على الثقافة الوطنية والاحترام العميق للإرث التاريخي، تكتسب جمعية شعب كازاخستان ووزارة الثقافة والإعلام أهمية متزايدة.
وفي السنوات الأخيرة، ركزت الجمعية على المشاريع الثقافية والتعليمية والتنويرية مثل: مهرجان لغات شعوب كازاخستان، يوم وحدة الشعب، البرنامج الشبابي "كازاخستاني أنا"، إلى جانب المنتديات العرقية الثقافية المنتظمة — وكلها تبرهن على أن التنوع الثقافي يشكل عنصرًا موحدًا للأمة وليس عامل تفرقة.
المعرفة والتنوير وتشكيل هوية جديدة
يشير الخبراء إلى أن المؤتمر المكرّس للذكرى الثلاثين للجمعية قد حدّد الاتجاهات الاستراتيجية للسياسة العرقية المستقبلية في كازاخستان: تطوير القدرات العلمية، وتعزيز مشاركة الشباب، والحفاظ على الشيفرة الثقافية كأساس للهوية الوطنية. وهذه ليست مهمة المؤسسات الحكومية فقط، بل رسالة وطنية تعتمد عليها تنمية المجتمع المتناغم.
ويُولى اهتمام خاص للتعليم والتنوير. فبرامج مثل "الثقافة السياسية العرقية" و*"الصحافة العرقية"*, وافتتاح أقسام خاصة بالجمعية في الجامعات، وإنتاج الأفلام الوثائقية والكتب — كلها استثمارات في مستقبل مستدام، يصبح فيه الوعي واحترام التنوع الثقافي جزءًا من الوعي المدني.
الجمعية كظاهرة اجتماعية
من منظور رأس المال الاجتماعي، تضم الجمعية أكثر من خمسة آلاف مؤسسة وعشرات الآلاف من المواطنين النشطين في مجالات التطوع والأعمال الخيرية والمبادرات الثقافية. وخلال العام الماضي فقط، تم تنفيذ مئات المشاريع الخيرية بقيمة مئات الملايين من التينغي — مما يعكس حيوية وأهمية هذا الكيان الاجتماعي.
إن تاريخ الجمعية الممتد على مدى ثلاثين عامًا هو قصة بناء هندسة الثقة، حيث أصبح تفاعل الأعراق جزءًا من الشيفرة الوطنية الكازاخستانية. وهو دليل على أن الوحدة لا تُفرض بالأوامر، بل تُبنى على القيم المشتركة والحوار والاحترام المتبادل.
اتجاه المستقبل
اليوم، وفي ظل الإصلاحات الواسعة وبناء كازاخستان عادلة، تزداد أهمية الجمعية كمؤسسة للوحدة الاجتماعية. ويتمثل توجهها الاستراتيجي في تطوير الدبلوماسية الشعبية والتعاون الدولي، والتحول إلى منصة رقمية وعلمية حديثة تجمع خبرة السياسة العرقية في القرن الحادي والعشرين.
وبذلك، فإن جمعية شعب كازاخستان ليست مجرد مؤسسة تابعة لرئيس الجمهورية، بل كيان اجتماعي حيّ يساعد على حفظ التوازن، وتعزيز الثقة، وتشكيل الوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة من دونها.