الأزياء الوطنية في العصر الحديث: لماذا يختار جيل الشباب الأسلوب الإثني؟

الأزياء الوطنية في العصر الحديث: لماذا يختار جيل الشباب الأسلوب الإثني؟

في الآونة الأخيرة، شهد المتحف الوطني لجمهورية كازاخستان حفلًا رسميًا بمناسبة افتتاح القاعة الثانية للإثنوغرافيا — وهي مساحة يروي فيها كل معروض قصة عن حياة الشعب الكازاخي وحرفه وتقاليده الممتدة عبر قرون طويلة. وقد شكّل هذا الحدث تذكيرًا بأن الثقافة ليست مجرد جزء من الماضي، بل هي نَفَسٌ حيّ من أنفاس الحاضر.
وخاصة في أيامنا هذه، حين لم تعد الأزياء الوطنية مجرّد عنصر من عناصر التراث، بل أصبحت وسيلة للتعبير عن الذات، وأداةً للحوار الثقافي، وشكلًا من أشكال مقاومة الرتابة واللاهوية التي تفرضها الموضة العالمية السائدة. فعدد متزايد من الشباب يعودون إلى الجذور، مكتشفين في عمق التقاليد مصدر إلهام يحولونه إلى جزء من الأسلوب العصري.

في الواقع الثقافي الجديد، أصبحت الأزياء ذات الطابع الوطني وسيلةً للتعبير عن الذات، وشكلًا من أشكال الهوية، وأداةً للحوار بين الأجيال. عدد متزايد من الشباب يلجأون إلى الجذور الإثنية بحثًا عن الإلهام والقوة والفرادة. إن الأسلوب العرقي يعيش اليوم نهضة حقيقية، إذ يجمع بين التقاليد والحداثة، وبين روح الأسلاف وطاقة الجيل الجديد.

كما يشير مصممو الأزياء التراثية إلى أن الجيل الشاب بدأ يدمج الإكسسوارات الإثنوغرافية في خزانته اليومية بشكل طبيعي، ويجمع بين عناصر اللباس الوطني والأزياء العصرية بطريقة جمالية، ويقبل على شراء الحقائب والعباءات والقبعات المزخرفة بالنقوش القومية في المعارض والمهرجانات.

أما ممثلو جيل "ألفا" فيقرّون بأن "الطابع الوطني" أصبح بالنسبة لهم وسيلةً للتعبير عن ذوقهم الخاص وعن حرية أفكارهم.
ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام المتزايد بالأزياء الوطنية ليس مجرّد موجة عابرة من الموضة، بل هو جزء من عملية أعمق بكثير. فالمجتمع الكازاخي يعود تدريجيًا إلى جذوره، مستوعبًا تراثه الثقافي من خلال رؤية معاصرة. أما الشباب الذين نشؤوا في زمن العولمة فقد سئموا من رتابة السوق الشامل ويبحثون عن فرادتهم في الجماليات الوطنية.

تقول جنة ماليكوفا، مؤسسة العلامة العرقية «Dala»:
«الأسلوب العرقي لم يختفِ يومًا تمامًا، بل جاء الوقت الذي بدأ فيه المجتمع يبحث عن العمق والمعنى في كل ما يحيط به ويغذّي روحه».

وتضيف ماليكوفا أن ذروة العولمة كانت نقطة تحوّل؛ إذ بدأ الناس يميلون إلى الأصالة، وإلى الأشياء التي تحمل تاريخًا، وإلى الرموز التي تحفظ الذاكرة وتنقل الفلسفة. وهكذا أصبحت الزخارف العرقية في جوهرها مرآة لهذا الصحوة الثقافية الداخلية.

لقد تعلم المصممون المعاصرون دمج عناصر اللباس القومي في الأزياء اليومية بطريقة راقية. فالزخارف والأنسجة التي كانت تميّز "الشابان" و"القامزول" أصبحت اليوم تزيّن المعاطف والكنزات والحقائب والإكسسوارات.

وتوضح جنة:
«من المهم أن يظهر ذلك بشكل طبيعي — ليس كزيٍّ تقليدي، بل كجزء من الحياة اليومية. فالتفاصيل العرقية تُنسج داخل الأشكال الحديثة دون أن تفقد جوهرها».

وهكذا تولد جمالية جديدة: حين يلتقي الحرير والصوف مع الدنيم، والأنماط القديمة مع اللمسات النيونية، والرموز التاريخية مع روح الحرية في الشارع. إنها ليست مواجهة بين العصور، بل حوار متناغم بين الماضي والحاضر. ولهذا السبب تحديدًا يشعر الجيل الشاب بالقرب من الأسلوب العرقي — لأنه يخاطبهم بلغتهم الخاصة.

في المعارض والمهرجانات الثقافية، بات من المعتاد رؤية المراهقين وجيل ألفا وهم يرتدون بفخر ملابس مزينة بالرموز الوطنية. بالنسبة لهم، هذا ليس مجرّد تقليدٍ للموضة، بل طريقةٌ للتعبير عن الذات وعن القيم والرؤية الفكرية.

وتقول محدّثتنا:
«نحن نشهد اليوم نهضة حقيقية في الأسلوب العرقي. فالجميع، وخصوصًا الشباب، يسعون إلى التأكيد على جذورهم وانتمائهم العرقي. لسنوات طويلة كان هذا غائبًا، أما اليوم فنحن نرى نهضة لا تشمل الأزياء الوطنية فحسب، بل اللغة والثقافة والوعي الذاتي أيضًا».

وترى ماليكوفا أن الشباب لم يعودوا يسعون إلى نيل إعجاب الآخرين، بل إلى أن يكونوا أنفسهم. فاختيارهم للأسلوب العرقي نابع من رغبة داخلية في التعبير عن الذات والحرية الثقافية.

وتقول:
«يسعدني حقًا أن الاهتمام بالثقافة العرقية يأتي من الشباب أنفسهم. إنهم الجيل الذي يخلق معاني جديدة، ويدفع التغيير الاجتماعي، ويحدّد روح الزمن. لا يريدون الذوبان في موضة عالمية بلا ملامح، بل يبحثون في الجذور عن قوتهم الداخلية. لذلك فإن الأسلوب العرقي بالنسبة لهم ليس مجرد موضة، بل خيارٌ واعٍ، وطريقة للتعبير عن ثقافتهم بلغة عصرية».

ومع ذلك، فإن نهضة الأسلوب العرقي لا تجلب الإلهام فحسب، بل المسؤولية أيضًا. فلكي لا تتحول الموضة العرقية إلى مجرد ظاهرة سطحية، يجب الحفاظ على الاحترام للتاريخ والمعاني المقدسة للتقاليد.

وتؤكد جنة:
«عندما ينقل المصممون الزخارف أو عناصر اللباس التقليدي إلى الأزياء الحديثة، عليهم أن يدركوا أن لها معنى. إنها ليست مجرد نقوش — بل هي قصة السلالة، وفلسفة الحياة، وانعكاسٌ للرؤية الكونية. فقدان هذا المعنى يعني تحويل التراث إلى زينة خالية من الجوهر».

وتعتقد جنة أن الإحياء الحقيقي للثقافة العرقية لا يقوم على التقليد، بل على الفهم العميق والاحترام للماضي. وتشير إلى أن جوهر الاهتمام الحقيقي بالأسلوب العرقي لا يقوم على الموضة، بل على الحب — حب الثقافة والتاريخ والهوية الذاتية.

وتقول ماليكوفا في ختام حديثها:
«أتمنى أن ينبع الاهتمام بالأسلوب العرقي من الوعي لا من الموضة فقط. فكل زخرفة تحمل في طياتها قصةً وفلسفةً ومعنىً مقدسًا. كل غرزةٍ وكل لونٍ له دلالته الخاصة. وعندما يدرك الإنسان ذلك، لا تعود الملابس مجرد جمالٍ خارجي، بل تصبح رمزًا للاحترام والمحبة لجذوره».

وفي الختام يمكن القول إن الأسلوب العرقي اليوم ليس عودة إلى الماضي، بل خطوة نحو المستقبل. إنه طريق الوعي، حين تصبح الموضة جزءًا من الذاكرة الثقافية، ويغدو اللباس وسيلةً للتعبير عن الانتماء إلى العالم.

إن الشباب يختارون الأسلوب العرقي ليس من أجل المظهر الخارجي، بل من أجل التوازن الداخلي. وربما هذا هو الفارق الأهم بين الجيل الجديد: فهم لا يلبسون الثقافة — بل يعيشونها.


45
03.11.2025